زواجهما كان نتاج قصة رومانسية عميقة الأحداث .. أحبا بعضهما منذ الصغر .. كان خالد في الرابعة والعشرين وإيمان لم تخطو نحو العقد الثالث بعد ..خالد هو صديق احمد شقيق أيمان ..وابن الجيران الحالم بمن تسكن لصيق بيتهم ..بعد أحداث دراماتيكية امتدت فترة طويلة من الزمن بين العائلتين للموافقة على زواج الحبيبين ..بين شداً وجذب نتيجةً لعداء سابق بين العائلتين تم الزواج ..بذل احمد أقصى ما يستطيع ليتمه رحمةً بدموع أخته وذبول صديقه ..
تزوج الحبيبان وعاشا عيشةً هنيئة لا تشوبها شائبة كان نتاج سبع سنوات منها بنت في غاية الجمال أسموها الهنوف وتبلغ من العمر ألان خمس سنوات .. في حالة يصعب تفسيرها ..لاحظت أيمان على خالد كثرة السرحان في الآونة الأخيرة ولجوئه إلى الشخبطة على الأوراق وكتابة الخواطر .. تسئله لا يجيب .. مارست معه جميع الوسائل التي قد تستشف منها مآبه إلا انه كان كاتماً أمره ..دق قلبها خوفاً على زوجها مما به ..حدثت أخاها احمد بالموضوع خاصةً وان الرجال لقلوب الرجال اقرب .. فلربما كان يود أن يفضفض له عن ما في قلبه خاصةً وهما متشاركان في العادات والطباع وفي كل شيء تقريباً ..وابتداء عندها اصعب شيء في هذه الحياة (( الانتظااااااااار)) ..
التقى احمد بخالد .. لاحظ ما لاحظته أخته .. تكلم معه .. احتدم النقاش وفي خضمه قال خالد " لو لم يكن بيني وين أختك بنتي الهنوف لطلقتها" ..كان وقع الجملة قوياً على احمد لم يستطع معه الكلام ..استدرك خالد ما قاله وحاول أن يعتذر أو بالأحرى أن يتملص من هذه الجملة ..فبادره احمد بسؤال مباشر ..خالد ما بك؟؟ ..فقال وهو يجهش بالبكاء في حالة هي في غاية الغرابة "احمد أنا .. أنا .. أنا احب" .. تسمر احمد في مكانه ..واكمل خالد كلامه .. "نعم أنا احب"..أحببت إحدى البنات حيث تعرفت عليها عن طريق الشات بالإنترنت وكنت في البداية اكذب عليها وتكذب علي في علاقة كان القصد منها المزاح وتضييع الوقت إلا انه مع الوقـت اكتشفت أنا وهي أننا نحب بعضنا البعض ولا نستطيع أن تستغني عن .." ..قال احمد "كفى .. كفى ..كفى.. لا تكمل"..واكمل حديثه " تبيع أم الهنوف اخت الرجال بنت الاصل من اجل إحدى البنات عرفتها عن طريق الإنترنت؟؟" .. جاوبه خالد " وسأتزوجها عن قريب كذلك" ..
نزل احمد من السيارة التي كان يتحدثون فيها ..وقال لخالد " لن أطيل الحديث مع إنسان مثلك ..وأختي أنا من سيحفظ لها كرامتها" ..ذهب احمد وخالد يطلبه الرجوع وهو غير مبال بما يقول ..سار والطريق رغم قصره إلا انه استعرض من خلاله كل ذكريات الزمن وأحداثه وقصة خالد وإيمان ..وصل احمد لأخته وقال لها الموضوع تفصيلاً ..وهنا الموقف الذي لا أستطيع وصفه ..بادرها احمد وقال " احزمي أغراضك وملابسك وهيا لبيتنا" .. ردت ودمعة تخط طريقها على وجنتها "هل تريدني أن أتنازل عن زوجي بهذه السهولة؟؟.. انه زوجي ..حبيبي ..شمسي .. عطري .." رد احمد غاضباً " وماذا ستفعلين ؟؟ .. هل ما زلتي تريدين شخصاً لا يريدك؟؟ " ردت " أنا متأكدة من حبه لي وبجنون أيضا .. ولكنها مرحلة لن اسمح لها أن تتطور مهما كانت قوة هذه المرحلة.. ولن اسلم زوجي للشيطان ..ولن ادع نفسه تقوده ..سأسترجعه" رد احمد " كيف؟؟" ..ردت "هذا هو السؤال ..كيف استرجع زوجي؟؟" ..فهل من مجيب؟؟ ..
وفي نفس هذا اليوم … بقيت ايمان في منزلها .. ودموعها المتحجرة في عينيها تكاد ان تحرقها…
ولكنها آثرت أن تقاوم حتى حرارة الدموع.. لفظت أنفاسها قليلا وهي تراقب فلذة كبدها ( الهنوف)
اقتربت منها ابنتها: وهي تقول :
ماما ماذا بك لماذا أنت حزينة ؟؟
ابتسمت ايمان ابتسامة صفراء حتى لاتشعرها بشيء
قالت لها : لاحبيبتي أنا فقط تعبة ..
اذهبي لتلعبي قليلا..
سيطرت على دموعها وأخذت تفكر في الأيام الجميلة التي مضت والضحكة التي كانت لاتفارقهم ..
أخذت تستذكر أيام ولادتها بابنتها الهنوف وكيف كان زوجها في قمة السعادة وهو ينظر الى تلك
الملاك الصغير.. وكان دائما يردد الله لايحرمنا من هالسعادة .. الله يخليك لنا ياأم بنتي الحبيبة
كيف تغير بهذه السرعة؟؟ تساؤلات كثيرة مرت على مخيلتها …
هل كانت مقصرة ؟؟ وكيف تكون مقصرة وقد رفضت حتى الوظيفة من أجل ارضاء زوجها …
وتحقيق كل طلباته …
لقد تخرجت من الجامعة ..
ولم توافق مطلقا على أن تعمل في مكان بعيد عن زوجها .. حصلت على وظيفة التدريس في منطقة بعيدة عن منطقتها فآثرت أن تبقى بالقرب من زوجها الحبيب …كانوا صديقاتها يقلن لها ستخسرين .. لقد أضعت تعب أربع سنوات في الجامعة .. وهاأنت ترمين بالوظيفة عرض الحائط … ولكنها لم تستجب لصديقاتها ..
واستجابت لنبضات قلبها ..
كانت تقول خالد عندي الدنيا ومافيها .. ومايهمني حقا هو خالد…
لقد تكبدت المتاعب معه منذ بداية مشوارهما بسبب المشاكل بين عائلتيهما…
لقد كانت تتحمل وتصبر ولاتتفوه له بكل المضايقات التي كان سببها أهله.. بسبب حبها الشديد لزوجها
وكانت تقول أهلك هم أهلي … وأمك مثل أمي .. لم تكن تجيد الطبخ في بداية حياتها فأصبحت بعد جهد وممارسات كثيرة ماهرة في صنع كل شيىء …
تهتم لمظهرها وتفعل المستحيل من أجل ارضاء زوجها … كانت تحبه بجنون .. وقد تعترف أحيانا أنها فعلا تحبه الى أقصى حد يتصوره انسان …
لقد أحبا بعضهما بجنون . فياترى ماللذي غيره ؟؟؟ ماذا أصابه؟؟
قامت مذعورة من مجلسها واتصلت بأخيها أحمد وطلبت منه أن لايخبر أهلها بالأمر وأنها ستسوي الأمر بينها وبين خالد..
لم ترد للمشكلة أن تتفاقم .. لقد أرادت حصرها طمعا في ايجاد حل سريع يرضي الطرفين….
وفي تلك الليلة انتظرت طويلا .. حبيبها خالد…
لقد تأخر الوقت .. ولم يأتي كانت في البداية تضع له الأعذار … وكانت تقول لن أزعجه
ولن أتصل به حتى يبقى مع نفسه قليلا ..
ولكن الآن تأخر الوقت ماذا تفعل ؟؟ اتصلت به .. لكن دون جدوى جهازه مقفل .. ولايرد..
ماذا تفعل بقيت وحيدة وأخذت الأفكار السوداء تطغى على مخيلتها …
وبعد تردد اتصلت بأخيها وكانت محرجة ولكن مايهمها الآن خالد…
خرج أحمد للبحث عن خالد … بحث عنه دون جدوى .. ..
مرت ساعة ونصف تقريبا .. وبينما هو في طريقه للعودة … ياسبحان الله لمح سيارته بالقرب من مقهى ..
اقترب قليلا فتأكد من ذلك … دخل المقهى…
وكان مقهى انترنت .. انظروا …..زوجته خائفة عليه وهو هنا يتحادث مع عشيقته …ويتغزل بها
حدث شجار طويل بينه وبين خالد وخرج أحمد من المقهى ووجهه محمر من الغضب … وفي طريقه اتصل
بأخته وقال لها أنا قلت لك اتركيه .. بيت أهلك أشرف لك من بيته …
انظري ماذا يقول ؟؟ لقد قال أبلغ أختك أني لن اعود الى المنزل …
كان وقع الخبر عليها كالصدمة .. لم تتمالك نفسها .. وكانت تقول الهذه الدرجة أيعقل ذلك …
ماذا فعلت له تلك المرأة حتى يصاب نحوي بالقساوة وتتغير مشاعره … في بداية الأمر كانت تتحمل الألم
ولكنها الآن أصبحت تبكي .. لقد شعرت بأن تلك المرأة أوشكت أن تسلبها خالد…
انها تحبه بجنون .. لقد تملكتها الغيرة والدهشة في أن واحد … ماذا تفعل ؟؟؟؟
لقد اتجهت الى ربها وأخذت تشكوه والدموع تتساقط على وجنتيها ….
الهي ساعدني .. لاتحرمني من خالد …
صلت الثلث الأخير من الليل وتلك الليلة لم تنم … كانت تصلي وتقرأ القرآن حتى انبلج الصبح…
وفي اليوم الثاني
في غفلة خالد وجريه وراء السراب الموعود فيه بالمتعة والحب والنعيم .. خرجت أيمان الماسكة والمستمسكة بعلاقة زواجها وان كان جمراً مع ابنتها الملاك الهنوف إلى إحدى المتاجر التي تبيع المواد الغذائية لتلبية متطلبات بيتها الذي غادره الزوج وبقيت هي منتظرةً رجوعه إليها فيه ..
في طريق العودة فاجأتها إحدى السيارات وصدمتها وأدخلت أيمان في غيبوبة بينما لم يحدث للبنت أي مكروه والحمد لله .. ليت كل من قرأ الموضوع رأى حالة خالد يوم الاثنين الماضي حينما سمع الخبر .. وهو يهذي واضعاً رأسه بين ركبتيه .. معكوف الظهر .. ويهتز ويكرر هذه الجملة (( أنا اللي صدمتها مو هو اللي صدمها )) بسرعة جنونية ..دموع هستيرية .. لا يود أن يغادر باب قسم العناية الفائقة .. بكائه يدمي القلوب .. الموقف يفوق مقدرتي بالوصف .. خرجت أيمان من العناية المركزة الأربعاء الفائت بعافية والحمد لله سوى ندبات في وجهها ورض في بعض أعضائها .. ولكنها اختصرت كل آلامها وجراحاتها حينما قابلت خالد وهو يعتذر لها ويعدها بالمستقبل المشرق ويحمد الله على صحوته من غفلته ويكرر عليها ذلك والألم والندم يعلوان محياه .. اختصرت كل هذا الكلام وهذا الألم حينما قالت له ((عافيتي ردت لي من يوم أنت رديت لي يا أغلى الناس )) .
منقوله..