•.¸¸.•الوجــــ الحزين ــدان•.¸¸.•
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 اعقل مجنون

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
sandy
عضو مبتدىء
عضو مبتدىء
sandy


انثى
عدد الرسائل : 146
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 25/09/2007

اعقل مجنون Empty
مُساهمةموضوع: اعقل مجنون   اعقل مجنون I_icon_minitimeالإثنين أكتوبر 15, 2007 9:57 pm

سُمع صوت نفير القطار إيذاناً بمقدمه . . . الضباب كثيف في تلك الساعة من الصباح . . . لاح القطار من بعيد يكتنفه بياض كأنه وحش مضى يمزق الحجب الصفاق ليبلغ فريسته. وصل القطار . . . وصل بعد تأخير نصف ساعة. المحطة مكتظة بالبشر . . . صنوف شتى من البشر. . . موظفين وعمال . . طلبة وتلاميذ . . باعة جائلين . . شحاذين . . . الكل يتكلم . . . حتى أصبحت المحطة مصدر ضجيج يضاف إلى الضوضاء الصادرة من الفرن المجاورة وتصايح المصطفّين في طوابيرها. تتصاعد الأصوات كالبخار، لتكوّن سحابة ضوضاء هائلة تسارع إلى أذن المقبل من بعيد لتمطر عليها: "يا ريِّس عبده . . . زينة وفلورة يا منديل . . . القُرَص الطازة . . . تأخرت عن المدرسة يا ماما . . . عشرين رغيف يا عم أحمد . . . لله يا محسنين) . . .

من بين هذه الحشود، رفع (كمال) رأسه عن كتاب مفتوح بين يديه، ورنا ناحية القطار . . . ثم عاد ببصره إلى كتابه فطواه بهدوء واضح ووضعه في حقيبته المطروحة إلى جواره. توقف القطار حذاء المحطة، فاندفعت الجموع تخترق أبواب القطار، وكأنما كانوا يملأون جدولاً يقوم في وسطه جندل فأزيح وتدفقوا يغمرون ربوع القطار. نَعِمَ أقلهم ـ وأمهرهم في التزاحم ـ بمكان للجلوس، وتوزع الباقون في ردهة القطار وعلى أبوابه. وُفق كمال ـ بالصدفة لا المهارة ـ في الوقوف اعتماداً على أحد القوائم المتباعدة في الردهة. انطلق نفير القطار . . . ولم تمض لحظات حتى بدأ في التحرك.

كعادته، أرهف كمال سمعه ليبلغ أذنيه أزيز العجلات الهادئ . . وازدادت السرعة حتى وصلت إلى الذروة . . . وتعالى القرع على القضبان في إيقاع منتظم. استقر المقام بالركاب، وعكف كلٌّ على شيء يشغل به وقته. فرفع كمال حقيبته ومال عليها قليلاً وأخرج منها سفراً كبير الحجم . . . وجعل يقرأ فيه . . . غاب عن دنياه . . . وغابت عنه دنياه . . . وغاص في أعماق الكتاب على أنغام سيمفونية (قرع القضبان) التي يؤديها أركسترا (عجلات القطار). وما كان لينتبه إلى واقعه لولا يد (الكمسري) جذبت قميصه وقد تقلص وجهه امتعاضاً: "ألا تسمعني؟. . أين التذكرة؟ . . أسرع . . التذكرة يا محترم . ."؛ فأخرج كمال من جيب سرواله الخلفي حافظة نقوده، وأعطاه ثمن التذكرة . . . فانصرف الكمسري وعاد كمال إلى كتابه.

توقف القطار في إحدى المحطات . . . واندفع نفرٌ آخرون إلى القطار، فاشتد الزحام عما كان، حتى كادت الضلوع تختلف . . والكلاكل تنطبق. رغم ذلك، تشبث كمال بالقائم لئلا يفقد موقعه المميز . . . واستأنف القطار رحلته . . واستأنف كمال قراءته . . .
ـ كمال عبد الرحمن؟ . .
انتبه كمال لذكر اسمه، والتفت إلى مصدر الصوت . . . وبهدوء قال:
ـ أهلاً يا سلامة . . .
ـ يا لها من مصادفة . . . لم نلتق مذ كنا بدروس الثانوية العامة السنة الماضية..
ـ فرصة سعيدة . . .
ـ أتركب عين القطار يومياً؟ . .
ـ في أكثر الأحايين . . .
ـ لِم لم أرك إذن؟ . . .
ـ إرادة الله . . .
ـ بأي كلية التحقت؟ . .
ـ كلية العلوم . . . ماذا عنك؟ . .
ـ كلية الآداب . . قسم اللغة العربية . . .
ـ حسن . . .
ـ فيم تقرأ ؟ . . .
وتناول الكتاب من يد كمال وقرأ على غلافه بصوت مسموع: "نجيب محفوظ . . . ملحمة الحرافيش" . . . ثم رفع رأسه وعلى وجهه أمارات الدهشة:
ـ عذراً . . . أتدرس بكلية العلوم أم دار العلوم؟! . .
ـ كلية العلوم . . قسم الكيمياء . .
ـ هل يدرس طلبة كلية العلوم ـ قسم الكيمياء أعمالاً أدبية؟! . . .
ابتسم كمال وأجاب بالنفي. فسأل سلامة مشيراً إلى الكتاب والدهشة لم تفارق وجهه:
ـ إذن . . ما هذا؟ . . .
ـ قراءة الأدب أعظم متع الدنيا . . .
ـ لا أعلم لماذا تكلف نفسك عناء قراءة هذا الكم من الورق! . . .
ـ سمعت أنك من محبي كرة القدم . . .
ـ أنا ـ ولا فخر ـ أفضل من يلعب الكرة في المدينة . . .
ـ أليس في لعب الكرة عناء؟ . . . ومع ذلك تعتبرها متعة . . .
ـ أنت غريب الأطوار حقاً يا كمال . . . القراءة هواية غريبة . . . انظر إلى عدد القراء اليوم مقارنة بعدد مشجعي كرة القدم . . . بالنسبة لي . . . هذه المرة الأولى التي أصادف فيها قارئاً هاوياً . . .
ـ عجيب أن يقول ذلك طالب بكلية (الآداب ـ قسم اللغة العربية) ! . .
ـ لا عجب في ذلك يا عزيزي . . . أكثر طلبة الجامعات يُجبرون على الالتحاق بكليات دون أخرى إجباراً . . . مجموع الثانوية العامة هو السبب . . . والنجاح بالجامعة هو المنشود . . . ويتحقق النجاح ببساطة ببعض المطبوعات والمذكرات . . أنا ـ مثلاً ـ لا أقتني الكتب التي أدرسها . . .
ـ دعنا من هذا الحديث الذي لا يُرجى من ورائه طائل . . . ثمة ما أريد إتمام قراءته . . .
وأخذ كمال الكتاب من سلامة وفتحه وبدأ يقرأ وقد أعرض عن سلامة إعراضاً . . . فأخذت ملامحه تسترد هدوءها ولينها الآنفين.

بلغ القطار المحطة الأخيرة، حيث ينبغي على الشابين النزول . . . وفكر كمال في كيفية الابتعاد عن سلامة . . . وتحقق له ما يريد. الحق أنه لم يضمر بغضاً لصاحبه، وإنما رأى في مصاحبته إضاعة لوقت قراءته . . ولاسيما أن كليتيهما متجاورتان.

استقل كمال سيارة (ميكروباس) . . . جلس واستأنف القراءة. ومع نهاية الطريق فرغ من قراءة الحكاية الرابعة من ملحمة الحرافيش . . قلب الصفحة: "قرة عيني . . الحكاية الخامسة من ملحمة الحرافيش". وهنا توقفت السيارة أمام باب الجامعة، فوضع الكتاب في الحقيبة . . . وخرج متجهاً نحو باب الجامعة.

[/color][/size]
* * *

في تمام الخامسة من مساء ذلك اليوم، مرق كمال خارجاً من الباب لا يلوي على شيء، ولا ينظر إلى أحد، وأكبر الظن أن أحداً لم ينظر إليه. كان الوقت أصيلاً، والشمس تجود بزعفرانها على كل شبر من أديم الأرض، فتلوح ثمار البرتقال في حانوت الفاكهة المقابل كراتٍ من العسجد يتلألأ منها نورٌ حبيب إلى النفس. ودَّ كمال لو يقف فيستمتع بهذه الجنة حتى تأوي الشمس إلى مستقرها. لكن شعوره بالإرهاق حالَ دون ذلك، فانصرف في طريق عودته إلى المنزل.

في (الميكروباس) جلس ودسّ يده في حقيبته، في الوقت الذي عمد السائق فيه إلى راديو السيارة يقلَب بين محطاته إلى أن استقر على موجة تذاع عليها "الأطلال" . . . فبرقت في عيني كمال نظرة بشر . . . وأخرج يده من الحقيبة خاوية . . . وتمتم بكلمة شكر غير مسموعة للسائق . . . الذي ما لبث أن استبدال الأطلال بـ (شريط كاسيت) يتعالى صياحٌ وعويل يصم الآذان. وضع كمال رأسه بين ذراعيه معتمداً على مسند المقعد المقابل . . . سائلاً الله أن ينجيه من هذا الشر المستطير بإغفاءة لا يصحو منها إلا بنهاية الطريق.

استجاب الله لدعائه . . . ولم يوقظه إلا أحد الركاب ينبئه أن قد وصلت السيارة إلى محطة القطار . . . فنهض مهرولاً واتجه صوب المحطة . . . ركب القطار فلم يكن مزدحماً كحاله صباحاً. وبعد أن جلس أخذ القطار في الامتلاء رويداً رويداً . . . ثم جلست إلى جواره سيدة يبدو عليها الوقار، وبين بإحدى يديها طفل صغير وبالأخرى حقيبة تسوق.

أطلق القطار نفيره، ومضى متمهلاً في تؤدة وأناة بادئ الأمر، ثم مسرعاً. وكمال يراقب وقع العجلات على القضبان . . أزيزها الهادئ . . ثم الطقطقة المتسارعة. كاد يستسلم للنوم ثانية لولا بكاء الصغير . . . عبثاً حاولت الأم تهدئته. اقتربت امرأة عجوز وأعطت الطفل لعبة جميلة كانت تلعب بها طفلة بنت أربع سنين (حفيدتها) . . فازداد صراخ الطفل . . . ولم تعرف الأم ماذا تفعل . . . فنحّت اللعبة جانباً . . . وأعطته (حافظة نقودها) الصغيرة . . . فتناولها الطفل ولعب بها وهدأت ثورته . . . فقبّلته الأم وجعلت تهدهده.

تابع كمال ذلك باهتمام وشغف شديدين . . . تعجب من أمر الطفل الذي يؤثر (حافظة نقود) رثة على لعبة رائعة المنظر تنطلق منها أصوات مختلفة وتومض بأضواء متعددة . . . وجلس يحاول تأويل هذا الموقف: "إنه الرمز . . . فلا تمثل اللعبة أو مقدمتها شيئاً عند الطفل . . . وأكبر الظن أنه ليس بحاجة إلى لعبة، وإنما يلتمس اهتمام أمه . . . وقد وجد هذا الاهتمام في حافظة نقود أمه . . . هو الرمز، ولا شيء سواه . . . لم يسعد بالحافظة لِذاتها . . . بل باهتمام أمه وعطفها عليه المتسربلين بالحافظة" . . . وكان كمال قد قرأ رواية توفيق الحكيم (يوميات نائب في الأرياف)، وتأثر برأيه في (الرمز). فكان تحليله على غرار هذا التأثر.

توقف القطار في إحدى المحطات . . . دخل شاب في مثل عمر كمال وله مثل هيئته، ويحمل في يمناه حقيبة. . . جلس على المقعد المقابل لكمال، ثم أخرج من حقيبته جريدة وجعل يقلب بصره بين صفحاتها. لاحظ كمال أن الشاب يختلس النظر إلى الطفل من وراء الجريدة . . . لم يعِره اهتماماً في أول الأمر . . . ولكن الشاب تجمدت عيناه على الطفل . . . تعجب كمال من اهتمامه الزائد بالطفل: "تُرى ماذا يجذب انتباهه إلى الطفل؟ . . . ألأنه مأخوذ بمنظره؟ . . . لا . . . ليس في نظرته ما يشي بإعجاب . . . إن ثبات مقلتيه يدل على شرود ذهنه . . . فهو ينظر إلى الطفل ولا يبصره . . . أيفكر فيما فكرت فيه آنفاً؟ . . . هل ألهمه الطفل ما ألهمنيه عن (الرمز)؟ . . . هل قرأ (يوميات نائب في الأرياف) كما فعلت؟ . . . أم تُراه يفسر الموقف بمنطق آخر وكتاب آخر؟ . . . أيحمل في حقيبته هذه كتباً؟ . . . أيقرأ في الأدب؟ . . .أيَّ صنوف الأدب يفضل؟ . . . ولمن يقرأ من الأدباء؟ . . . طه حسين؟ . . . العقاد؟ . . . الحكيم؟ . . . نجيب محفوظ؟ . . . يوسف إدريس؟ . . . هل يحب الشعر؟ . . . ماذا يفضل . . . القصائد العمودية أم شعر التفعيلة؟ . . . هل يمارس الكتابة في أي من فنون الأدب؟ . . . إنه لا يزال يحملق في الطفل الذي لا يمل من اللهو بالحافظة . . . أريد أن أطلع على ما يدور بخلد هذا الشاب . . . ماذا لو انتقلت إلى جواره وحادثته ؟ . . . إن عمق نظرته تدل على . . . . . ." . . .

توقف القطار . . . وفي لمح البصر . . . نهض الشاب وانتشل الحافظة من يد الطفل وفر من القطار الذي ما لبث أن انطلق نفيره، واستأنف رحلته. ثارت في القطار عاصفة من اللعنات والشتائم والسباب . . . وأقبلت العجوز على السيدة تهدئها وتلاطفها وتعرض عليها مالاً، فشكرت لها السيدة صنيعها.

ظل كمال جالساً بلا حراك . . . ذاهلا عما حوله . . . وكأنه عاجز عن إدراك ما يحدث . . . . .
ـ يا لحسن حظي! . . . ألتقي بالأستاذ كمال مرتين في يوم واحد؟! . . .
التفت كمال إلى مصدر الصوت . . . فوجده سلامة قدم ضمن من جاءوا من عربات القطار الأخرى عندما ذاع الخبز. ولم لم يحر كمال جواباً، جلس سلامة إلى جواره وسأله:
ـ ماذا حدث؟ . . .
فأجاب كمال بصوت خفيض متقطع:
ـ أخذ شاب حافظة نقود هذه السيدة وفر . . .
ـ انتشر لصوص القطار انتشاراً عظيماً . . .
ـ لصوص ؟! . . .
ـ أي نعم . . . ألهم تسمية أخرى في رواياتك؟! . . .
ـ خلته أديباً . . .
ـ أديباً ؟! . . .
فاستطرد كمال وكأنه لم يسمع تعقيب سلامة:
ـ إن عمق نظرته لا تكون إلا لأديب . . .
ـ أوصيك بالذهاب إلى طبيب أمراض عقلية . . .
توقف القطار ونزل سلامة. فقال كمال محدثاً نفسه:
ـ طبيب أمراض عقلية!! . . . أنا مجنون إذن!!
وعاد إلى ذهوله. . .
* * *
(زينة وفلورة يا منديل . . . عشرة أرغفة يا عم أحمد . . . لله يا محسنين) . . . انتبه كمال من غفوته على هذه الأصوات المألوفة لديه . . . نزل من القطار . . . انطلق النفير . . . وتبعه الأزيز.

تمت
منقووول I love you


عدل سابقا من قبل في الأحد نوفمبر 04, 2007 1:09 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الوجــــ الحزين ــدان
المدير العام
المدير العام
الوجــــ الحزين ــدان


انثى
عدد الرسائل : 2299
تاريخ التسجيل : 20/09/2007

اعقل مجنون Empty
مُساهمةموضوع: رد: اعقل مجنون   اعقل مجنون I_icon_minitimeالإثنين أكتوبر 15, 2007 10:08 pm

الله يعطيك العافيه عسووووووووولتي
وقصه جميله واللهي يبعد عنك الجنونLaughing
lol! lol! lol!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wegdan.mam9.com
 
اعقل مجنون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» @@من هو المجنون؟وهل انت مجنون مثلهم؟ @@

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
•.¸¸.•الوجــــ الحزين ــدان•.¸¸.• :: منتدى القصــــــــــــــص :: قصـــــــص طويلــــــه-
انتقل الى: