بعد ثلاث أيام بالظبط يوم 1 يوليو 2007 يبدأ ألاف من أهل سيناء ممثلين لكل قبائل بدو سيناء من الشمال و الجنوب و الوسط
اعتصام مفتوح بالقرب من الحدود المصرية الفلسطينية.
اللي بيحصل النهاردة في سيناء وسط البدو بذرة ثورة واسعة، لا تقل أهمية و لا تأثيرا عن الاضرابات العمالية الضخمة اللي شغالة من أول السنة.
لكن نشرح الموضوع منين؟ نبدأ من قتل اثنين من قبيلة السواركة برصاص كلاب مبارك بدون سبب و بدون أي محاسبة؟ ولا نرجع لاعتقال و تعذيب عشرات الألوف بما فيهم العجائز و النساء و الأطفال بعد أحداث طابا؟ و لا نرجع أقدم من كده كمان و نتكلم عن حرمان أهل سيناء من الماء و التعليم و الوظائف، و لا نرجع أكثر و نتكلم عن اضطهادهم من قبل الحكومة دائما و باقي المصريين أحيانا كأقلية مختلفة عن تصورنا المرضي عن المألوف؟
ولا أقولكم خلينا الأول نتكلم في ليه على الحدود، فالموضوع قريب قوي من اسرائيل و أحنا عادتنا لو ذكرت كلمة اسرائيل منعرفش نفكر بشكل منطقي.
البعض بيزايد على وطنية بدو سيناء، المزايدة دي عبثية لأسباب عديدة، أولا لما المزايدة تيجي من كلاب أمن الدولة و مخاصي المؤسسة العسكرية و حرامية مبارك و منافيقهم يبقى أحة كبيرة. بعد ما باعوا البلد و البلاد اللي حواليها، و الغاز و المياه و البترول و الأرض و الأسرى و كل حاجة لاسرائيل مظنش حد من نواحي النظام المصري يحق ليه يتكلم خالص عن مين بيعمل ايه مع اسرائيل.
لكن بعيدا عن دول، برضه المزايدة عبثية، أولا لأن الانتماء للوطن ده مش اختيار يا كباتن ده قدر و لما يبقى الوطن مصر يبقى قدر أسود و مهبب، أنا مبختارش بتولد فين و حتى لو مش عاجباني المخروبة بنت الوسخة و متلزمنيش حقوقي كاملة لا محتاج أثبت ولائي ولا محتاج أثبت وطنيتي و لا محتاج أكون مؤدب و شاطر عشان يبقالي حقوق.
لكن برضه رغم كل ده المزايدة على وطنية أهل سيناء كلام عبثي، فالناس تاريخهم معروف كويس و لولاهم هما و أهل السويس كان زماننا محشورين في مخيم لاجئين و بنلعب مع فتح الاسلام. و مهما استهبلنا في الكلام لا يمكن انكار أنهم حاربوا اسرائيل و كانوا مساعد أساسي للمؤسسة العسكرية المصرية (و كانوا مساعد فقط بسبب غباء البهايم القائمين على المؤسسة العسكرية اللي بيحاولوا بقدر الامكان يتفادوا تجنيد أي مصري من أهل سيناء). و طبعا كلنا سامعين اسرائيل و هي بتشتكي من سلاح المقاومة الفلسطينية اللي بيتهرب من مصر في أنفاق تحت الأرض، تفتكروا يا شباب مين اللي بيفوت السلاح في الأنفاق دي؟
طيب لما هما وطنيين و حلويين معتصمين على الحدود ليه؟ عشان كلاب أمن الدولة و عساكر الأمن المركزي ميقدروش يروحوا بأعداد كبيرة على الحدود، الناس معتصمة في أرضها (التاريخية و الفعلية) و بتستغل الوضع الدولي لضمان أمانهم و سلامتهم.
مش بس لضمان أمانهم و سلامتهم، لازم نفهم حاجة مهمة، بدو سيناء مسلحين كويس جدا، و الشاب عندهم من و هو عنده 14 سنة شايل آلي، الناس اللي منظمة الاعتصام بتحاول تتفادي حرب مفتوحة مع النظام و بتحاول تنتزع حقوقها الأساسية جدا جدا بشكل سلمي جدا جدا و ده يستدعي تفادي المواجهة المباشرة.
كل ده رغم أنهم مشافوش أي حاجة تقريبا من أهل مصر و حكومة مصر، لو أحنا بنشتكي في الوادي من البنية التحتية فعلى الأقل عندنا بنية تحتية نشتكي من حالها، أوسخ عشوائية عندنا عندها خدمات تفوق المتاح لسيناء بمراحل، لا طرق و لا كهرباء و لا مياه و لا صرف صحي و لا مدارس و لا مستشفيات و لا معاهد و جامعات و لا مصالح حكومية و لا أي حاجة.
و أمن الدولة حدث و لا حرج، اعتقال و تعذيب و أحكام ملفقة و ضرب نار عشوائي و قتل يمين و شمال و اقتحام بيوت من غير أي حاجة.
لحسن حظنا أن ظلم الدولة على أقلية البدو فج لدرجة تخلي لا معنى للنقاش على هل يشارك أهل الوادي في اضطهاد و شيطنة البدو.
مطالب الناس مركزة على مشكلتهم مع الأمن و المطالب بسيطة لدرجة مخجلة و تمثل عشر الحقوق المنهوبة فقط. يعني مش بيقولك الافراج عن كل المعتقلين لأ بيقولك الافراج عن المعتقلين اللي حصلوا على أحكام برائة من المحاكم كثير دي؟
ما يحدث في سيناء مهم جدا جدا، مش عشان البدو أقلية مضطهدة، لكن عشان الحقوق اللي بيطالبوا بيها دي حقوق كلنا بنطالب بيها، و اذا كان النهاردة هما واقع عليهم ظلم أفدح من أغلبنا فده فقط لأنهم السابقون و قريب قريب هنكون اللاحقون و لأن تنظيمهم و وحدة صفهم تجربة جديرة بأننا نتعلم منها و لأن كل انتصار مهما كان صغير ضد دولة الاستبداد و الفساد و التعذيب بيقربنا من نهاية النظام ده و من فرصتنا في التحرر.
سيناء اليوم محتلة، أهلها مش عارفين يتحركوا فيها، في الكام يوم اللي قضيناهم وسط البدو شفنا تضييق أمني يقارب اللي بنسمعه عن فلسطين، كل تقاطع عليه كمين و تفتيش و بهدلة، نسبة رهيبة من الرجال و الشباب عليهم أوامر اعتقال و أحكام غيابي لدرجة أن نصف المجتمع مطاريد بيتفادوا الطريق الأسفلت و ميقدروش يباتوا الليل في بيوتهم.
لكن أكثر حاجات معلقة في دماغنا من الزيارة كانت الحاجات الايجابية، شمال شرق سيناء معجزة بمعنى الكلمة، الناس من غير أي دعم مؤسسي و لا حكومي و من غير مصادر دائمة و مضمونة للمياه زرعت مساحات شاسعة من الصحراء بأشجار الفاكهة. خوخ سيناء ده طلع حكاية، بيزرع الأول شجرة لوز و بعدين يتهجن فيبقى خوخ، و عشان يروى بيجمعوا الأمطار و يحفروا آبار و أحيانا يدفعوا مبالغ خرافية لشراء عربيات مياه، و بعدين يمد شبكة خراطيم و يعمل خرم عند كل شجرة عشان تنقط مياه بمعدل دقيق طول الوقت على الشجرة.
في سنوات قليلة حقق اهل سيناء معجزة حقيقية و على ايديهم، قارن ده بأوهام نظام مبارك بتاعت توشكى لو سمحت.
يا ترى بنسمع في الاعلام عن المعجزة دي؟ لا لو جيبنا سيرة أهل سيناء و الزراعة يبقى الكلام عن البانجو مش عن الخوخ و الماندارين.
أما أكثر حاجة أذهلتنا كانت عزة الناس بنفسها و ايمانهم بأنهم فعلا أحرار. طول النهار نستخدم كلمة بدو كأنها سبة رحنا لقينا الناس مثقفة جدا، على درجة عالية من الوعي، بتسمع بعض بجد و بتحترم بعض بغض النظر عن الفلوس و السن و المقام.
كنت مخطط لكتابة عدة تدوينات عما يحدث في سيناء و نشر بيانات و فيديوهات، لكن المشاغل واخداني بشكل مبالغ فيه (ياللا يا منال اكتبي أنت كمان بقى) و مش عارف ألم نفسي، تابعوا مدونة
ودنا نعيش و يا ريت تحاولوا تروحوا تتفرجوا على الاعتصام.