و أحنا في بيروت حضرنا عرض مسرحي أسمه الزائدة للفنانة اللبنانية لينا صانع بناء على
نصيحة للأستاذ بيار أبي صعب اللي تحدث عن العرض على أنه حاجة ثورية جدا جدا.
بغض النظر عن رأيي في العرض (كان ممل نييييك) أكثر نقطة خبطتني مش العرض نفسه لكن سياقه، العمل بسيط جدا عبارة عن واحدة قاعدة على كرسي و جوزها واقف بيتكلم، مع ذلك العمل ممول من قبل جهتين أجنبيتين على الأقل. ثاني حاجة خبطتني كانت الجمهور. العرض المفروض أنه صادم، بيخبط في الدين و معرفش ايه لكن كل جمهوره كان فنانين،
للأسف الظاهرتين مسيطرين على مجتمعات الفنانين عندنا في مصر برضه، خد عندك مثلا ما يسمى بالسينما المستقلة. نسبة كبيرة من الأفلام له تيترات طوييييييييلة بغض النظر عن مدى بساطة الفيلم، و كثير منهم متكلف مبالغ كبيييييرة في حين أنك تقلب في يوتيوب تلاقي ناس عملت حاجات مشابهة ببلاش تقريبا. (بلغني أن فيه ناس بتملى التيترات عشان مش منظر يعني الفيلم يبقى عليه اسم واحد بس).
حتى مهرجان أفلام الموبايل اللي عاملاه فرقة المفروض أنها فرقة شارع كان متمول من جوود نيوز.
أما موضوع الجمهور فالفن عندنا فعل استنمائي الفنانين بيعملوا مع نفسهم في الضلمة و المناديل و الصابون قريب منهم.
قارن ده بتجربة زي
Tarnation مثلا، فيلم شارك في ساندانس و كان و حاز على جائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان لوس أنجليس، و مع ذلك مهواش فيلم مهرجانات فقط دور عليه في شبكات تبادل الملفات و التورنت و ما شابه و هتلاقيه منتشر جدا. الفيلم تكلف تحت 220$ و تقريبا متعملهوش أي دعاية. لا تمويل ولا حبسة في تجمعات استنمائية ولا حتى اهتمام بجودة الصورة و التكنيك، فن و خلاص (و ده
تورنت للفيلم لو حد مهتم)
أنا معنديش مشكلة مع التمويل الأجنبي (شغلي أصلا معتمد على التمويل الأجنبي)، لكن عندي مشكلة لما نبقى غير قادرين تماما على العمل بدون التمويل الأجنبي (و بعدين نسمي نفسنا مستقلين)، و طبعا معنديش مشكلة أن الفنان يقرر يكلم نفسه بس، أو يتكلم عن نفسه بس، أو يكلم أصحابه بس، كل واحد حر و ضرب العشاري مفيد أحيانا. لكن عندي مشكلة كبيرة في أن الغالبية تتقبل تماما موضوع أنهم هيكلموا نفس الجمهور و خلاص (و دي حاجة ملهاش دعوة بحجم الجمهور، عادي يعني أنك تعمل حاجة و مش مستني غير خمسة يشوفوها، المشكلة لما يبقوا نفس الخمسة هما اللي بيشوفوا كل حاجة).
أكثر حاجة بقى بتقلقني في "الفنانين" المصريين هي الغياب شبه التام للاشتباط ضد السلطة عدا في حالات قليلة جدا، أنا مبقولش دور الفنان أنه يعمل كذا، كل فنان حر يعمل اللي هو عاوزه، بس متصور أن البديهي أن لما نسيب كل حد يعمل اللي هو عاوزه هيظهر بشكل عضوي تماما مجموعة من المبادرات و لو قليلة اللي بتنخور في السلطة السياسية (بغض النظر بقى مبادرات مرتبطة بحكات سياسية ولا معزولة عنها).
حاجة ثانية أقل في الأهمية شوية بس برضه بتستفزني، الفنان عندنا قاعد مستني الفرصة، تلاقي الواحد من دول يا دوبك بيلحق يخلص عمل واحد في السنة، مبيعملش حتى تجارب مجنونة كده على الجنب.
طيب هل ده يعقل؟ في رسام مبيشخبطش؟ في شاعر مبيكتبش هرتلة و حلمنتيشي؟ التجريب و اللعب المستمر أتصور أن جزء أساسي من صقل الفن و الفنان، و نقص الامكانيات مش حجة.
و طبعا الفلكلور المصري بيتحتم تفسير كل شيئ بغياب دور الدولة و تفشي تأثير الوهابية و هيمنة اقتصاديات السوق و قلة أماكن العرض و قلة الامكانيات و باقي الردود الجاهزة.
طيب يمكن يكون الكلام ده كان ليه معنى في يوم من الأيام، لكن تعالى نشوف الوضع الحالي فيه تقنيات رخيصة نسبيا لتسجيل و هندسة و منتجة و انتاج الموسيقى و الأفلام (أي مشغل mp3 كفتة بيسجل صوت و ثمنه لا يزيد عن 200 جنيه، و فيه كاميرات صيني تقضي الغرض ثمنها يجي 500 جنيه و الباقي سوفتوير يا شقيق). و طبعا عمل الجرافيك ما هو الا سوفتوير و مسح الرسومات ممكن تعمله عند النت كافيه بجنيه الصفحة أو تشتري سكانر بتحت ال200 جنيه.
دهاز الكمبيوتر نفسه مش رخيص بس مش غالي قوي برضه و حسب كلام حكومتنا 10% من البلد عندهم حواسيب، و فيه سوق خرافي للمستعمل يعني تقدر تقضيها بتحت الألف جنيه.
مش عاجبكم الصيني؟
لي اصدقاء عملوا ستوديو تسجيل صوت بامكانيات عالية و بتكلفة بعض ألاف الجنيهات، يعني أقل من تكلفة عمل فيلم بضين بتمويل من مؤسسة برو هلفاتيا.
تقريبا مفيش شاب و شابة خلصوا التعليم الثانوي ميعرفوش يستخدموا الكمبيوطر أو على الأقل يلاقوا حد يساعدهم.
فيه كمان عندنا اختراع لطيف أسمه الانترنت بيتكلف في أسوأ الأحوال 90 جنيه شهريا و متاح الساعة بجنيه في أغلب بنادر المحروسة و هتلاقي شباب قرود بيركبوا الوصلة غصب عن عين أم طارق كامل. و الانترنت ده بقى حضرتك بيوصلك لحوالي 8 مليون مصري، ده غير العرب و عرب الشتات و كمان باقي العالم. يعني أجدع من أي ميتين أم جاليري ولا مركز ثقافي من اللي أنت محبوسين فيهم دول.
طيب ليه يا ترى مبشوفش أفلام السيما اللي بيقولوا عليها مستقلة على النت؟ ليه الغالبية العظمى من الفرق المصرية ملهاش تسجيلات على النت و قاعدة تشتكي من استحالة انتاج اسطوانات؟
ليه اللي بيحاولوا يستقلوا تماما قليلين، ليه التجريب مقتصر على الموضوع و المعالجة و مش على الوسيط و الجمهور و طريقة العرض و التوزيع؟
يعني اذا كانت قناة الجزيرة بتستخد يوتيوب عشان تتخطى الحواجز اللي بتمنعها من الوصول لجمهورها في الولايات المنحدة عيبة عى شباب فنانينا النشر على النت؟
بالذمة مش حاجة تفرس؟
بصوا كدها على نجاح المدونين المصريين في خلق مساحة ليهم في الاعلام و السياسة و الكتابة الأدبية؟ الانترنت و التكنولوجيا الديجيتال الرخصية بتوفر فرصة لأجيال جديدة من الفنانين أنهم يكتسحوا تماما يخرجوا بره قوقعة الجمهور المحدود المتكرر و جو المثقفين البايخ، أنت خايفين تجربوا الجمهور ولا ايه؟
بالنسبة لي أهم فيلم مستقل في مصر هو رجال لا تعرف المستحيل، فيلم (رغم ان ممكن اعتباره فيلم تافه) اتعمل بعيدا عن كل مراكز التأثير، اتعمل بجهود ذاتية تماما و اتوزع و اتعرض برضه بجهود ذاتية تماما و لا أظن أن انتشاره يقل عن انتشار أفلام محمد خان مثلا. و الكلام ده كان قبل ما الكاميرات الديجيتال تنتشر و ترخص و قبل ما النت يبقى سريع و رخيص.
فيه محاولات لطيفة على يوتيوب، بعض الفرق اختارت تعمل مواقع (أحنا حاليا مستضيفين
فريق رسالة و
مجموعة 100 نسخة لانتاج الموسيقي الالكترونية).
يمكن استخدام تقنيات مشابهة للمدونات لنشر ابداعات الفنانين المستقلين من كوميكس و موسيقى و فيديو و جرافيكس و غيره. و يمكن كمان بجهد قليل نسبيا عمل مواقع متخصصة لمتابعة كل فن من دول (موقع لكل رسامي الكوميكس و الكاريكاتير المصريين مثلا).
و خلي التمويل لعمل استوديوهات مشتركة مفتوحة لعدد كبير من المبدعين أو لتأجير سيرفرات متفرغة لخدمة مجتمع الفنانين المستقلين ككل. أو لخلق آليات توزيع بديلة أو لتمويل فعاليات ضخمة مش لانتاج أي و كل عمل.