لا تكاد تخلو صحيفة فلسطينية يومية أو أسبوعية ولا مجلة باختلاف موسم إصدارها من صفحة الكاريكاتير بأنواعه وتصنيفاته المختلفة التي تحكي في المجمل هم المواطن الفلسطيني وتحكي مأساته وتنقل معاناته بريشة جريئة تتباين ألوانها بين الفرح والألم لكنها تبقى ساخرة معبرة تقوم بدورها الريادي في التوعية ولاسيما التحريض إن لزم الأمر بمزيج من الحرية والرقابة. الملاحظ لرسوم الكاريكاتير الفلسطيني يرى أنه بعيداً عن التشويه لا يهوى الفضح والإثارة فقط يلتقط المفارقات التي يضج بها الواقع الفلسطيني في مختلف المناحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يهدف إلى تصحيح الاعوجاج وتقويم الأخطاء في إطار النقد البناء لا الهدّام القائم على التحريض والاستفزاز، يلامس أوجاع المواطنين يحكي همومهم وينقل تفاصيل حياتهم في إطار من السخرية أملاً في تغيير واقعهم إلى صورة أكثر إيجابية.
"لها أون لاين" في التقرير التالي يعرض لدور فن الكاريكاتير في إدارة الصراع الفلسطينيين نقترب من بعض فناني الكاريكاتير نبصر رؤيتهم في الواقع الفلسطيني عبر رسومهم المنسوجة من ألم وصبر أبناء شعبهم:
حين تعجز الألسنة عن النطق بصرخات الحق وويلات العذاب الخالدة في الوطن الفلسطيني بفعل جملة من الممارسات الصهيونية أثمرت الكثير من التناقضات السياسية بين القادة الفلسطينيين وتاهت فيها ثوابت القضية لا يبقى أمل للتعبير عن الهم الوطني والشعبي سوى بضعة خطوط وكلمات من وجع ساخرة ينسجها فنانو الكاريكاتير الفلسطيني بريشاتهم وألوانهم المتأرجحة بين الدم والنار المزدانة بالألم والمعاناة يعبرون عن دمعات الأمهات الثكلى وصرخات الأطفال اليتامى وأنات المغيبين خلف القضبان الأسرى في زمن التيه والغفلة وصمت النيام العربي. قديماً اغتيل ناجي العلي بسبب رسوماته بكاتم الصوت في إحدى شوارع لندن لكن رسوماته ظلت نابضة بالحياة تؤدى الرسالة تستنهض الهمم دون جدوى في زمن العجز والانكسار، والآن تطبق الرقابة على ريشات فناني الكاريكاتير إلا أنهم يواجهونها بمزيج من صبر وعطاء أملاً في تغيير الواقع بتداعياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
بريشة الفنان ماجد بدرة
الكاريكاتير.. ضمير الشعب
يقول ماجد بدرة فنان كاريكاتير فلسطيني أن "فنان الكاريكاتير يساوى ضمير الشعب"، فهو يجسد برسومه هموم أبناء شعبه وتطلعاتهم، ينقل مأساتهم ويضمد جراحاتهم النازفة، كما ويبرز تضحيات مختلف الفئات العمال الكادحين والأمهات الثكلى والأطفال والفقراء والبؤساء، ويعمق أواصر اللحمة والوحدة فيما بين تنظيماته السياسية وأحزابه المتشعبة الأفكار والمبادئ، ينقد ويصنع التفاؤل ويلتقط المشكلات يبرزها ويوجه صناع القرار لحلها، ويعتبر الفنان بدرة فن الكاريكاتير سوط الحق المسلط على أعناق الفاسدين والمجرمين لا ترهبه قيود الخوف ولا ترهيب القمع وتكميم الأفواه، بل يظل نابضاً بالحق وعنواناً للعزة والكرامة.
بريشة الفنانة أمية جحا
مدافعاً ومتمسكاً بالحقوق
تهديدات بالقتل ووعود بالتشويه والتخريب، وقصف بالطائرات بسبب رسوم كاريكاتورية أثمرت غضباً صهيونياً وأظهرت حقداً دفيناً واجهته رسامة الكاريكاتير الفلسطينية أمية جحا لكنها ما زالت متمسكة بالحق مدافعة عن الوطن والأمة تلامس بريشتها الجريئة معاناة شعب أزهقت أرواح أبنائه هدراً بلا رحمة وسرقت أرضه غصباً بلا وجه حق في ظل صمت دائم ونسيان عربي مألوف. تقول جحا أن فن الكاريكاتير يعلب دوراً هاماً في إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إذ أنه يحاكي الواقع ينقله للعالم الصامت علّه يهب يوماً يحرك ساكناً، مشيرة إلى أنها من خلال رسوماتها الكاريكاتورية تخوض غمار الصراع العربي- الصهيوني تدافع عن قضايا الحرية والكرامة للشعوب كافة والفلسطينيين على وجه الخصوص من خلال إبراز ملامح معاناتهم ومأساتهم وآمالهم وطموحاتهم تنقلها بريشة لا تعرف الخوف ولا تخشى في الحق لومة لائم، تنقد وتحرض على الانتفاض من أجل التمسك بالثوابت والدفاع عن الحقوق حتى نيلها كاملة من غير انتقاص، وتلفت أن لغة اللوحات التعبيرية وكوميديا اللحظة السوداء الفاضحة والمباشرة من شأنها أن توصل الرسالة التي يتضمنها الرسم كما أنها تترك مدى تأملي مفتوح أمام القارئ تخاطبه وفقاً لإمكانيات عقله وحدود تفكيره، مؤكدة على أن صورة الكاريكاتير بما تحمله من تعليق في ظاهره ساخراً يدعو إلى انفراج ملامح الوجه ابتساماً تبقى أقوى وأنجع في التعبير من آلاف الكلمات قد لا يستطيع الكاتب الصحفي أن يضمنها مقالاً واحداً.
تعبير عن الحالة الفلسطينية
ويسخر أبو النون رسام كاريكاتير وكالة معاً الإخبارية ريشته في تجسيد الأحداث المتلاحقة على الساحة الفلسطينية يسخط تارةً على الحكومة والتنظيمات السياسية المتناحرة هنا وهناك، ويبرز تداعيات الموقف السياسي على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية لفلسطينيين، يعبر عن الغضب الشعبي والهم الوطني والحلم الأبدي للاجئين بالعودة وللأسرى بتنسم أريج الحرية والتنعم بالنظر إلى فضاء السماء الواسعة عبر رسائل توجيه نقدية هدفها الإصلاح، ويؤكد أبو النون أن فن الكاريكاتير هو المرآة الواضحة للشعوب والقيادات تكشف العيوب وتحاول التصحيح.
همسة في آذان أصحاب القرار
ويتجه بهاء الدين البخاري إلى أسلوب آخر يؤكد فيه على أهمية هذا الفن وقدرته على تغيير قرارات عبر همسات مضحكة لكنها لاذعة فكاهية لكنها تحمل هدفاً وتوصل رسالة لا تستطيع كلمات النقد التعبير عنها بخطوط وألوان وعبارات بسيطة تخرج من فاه مواطن كادح. يشير بهاء الدين البخاري أنه يعمد إلى تقديم الخبر في رسوماته بشكل لطيف ساخر ويدعمه بتعليق عميق لافتاً أن القضية الفلسطينية بتداعياتها السياسية والاجتماعية والإنسانية كانت مادة خصبة للوحاته، ينتقي بعض جوانبها ويعلق عليها بلوحات ساخرة وومضات فكرية عميقة بعيداً عن التباكي لحشد التأييد والتعاطف، كنت أظهر دوماً الشعب الفلسطيني القوي المتسامي على جراحه شعب التحديات الذي لم تثنه معاناته عن ممارسة حياته اليومية بالإمكانيات المحدودة.
بريشة الفنان خليل أبو عرفة
مقاومة الاحتلال بالريشة
ولا يختلف خليل أبو عرفة كثيراً عن أمية جحا التي راحت تسخر رسوماتها للدفاع عن الحق والتمسك بالأرض والوطن والهوية والتاريخ وتؤكد على أن المقاومة أسهل الطرق للنصر والتحرر، يوضح أبو عرفة أن ريشته تماماً كرشاش المقاوم تكشف عُري المستور وتعبر عن مساحة الوجدان الإنساني ونبض الشارع الفلسطيني بكل فئاته، تعمد إلى رسم خطى معركة الصراع العربي الإسرائيلي وتوجد حالات تشابك وتلاحم مع القوى العربية المناضلة ضد الاحتلال الإسرائيلي المسنود أمريكياً سواء في العراق أو في مختلف أرجاء الأرض المحتلة بفلسطين.
نموذج آخر للفنانة أمية جحا
القضايا تتعدد والهدف واحد
في دراسة أعدتها رويدا أبو منديل المعيدة بجامعة الأقصى لنيل شهادة الماجستير بعنوان"القضية الفلسطينية في الكاريكاتير السياسي" تبين أن رسامي الكاريكاتير الفلسطينيين استخدموا هذا الفن لتعبير عن نبض الحياة الفلسطينية بشتى مناحيها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وأشارت الدراسة إلى أهم القضايا التي عالجها الكاريكاتير الفلسطيني حيث جاءت في المرتبة الأولى قضية الأسرى بنسبة 13.5% تلتها قضية اللاجئين بنسبة 12.7% ومن ثمَّ قضية جهود السلام بنسبة 11.6%، فيما أظهرت الدراسة تراجع اهتمام رسامي الكاريكاتير بمعالجة قضية القدس في فترة الدراسة، فكانت في مرتبة متأخرة بنسبة 10% من بين القضايا المطروحة. وعللت معدة الدراسة سبب ذلك بعدم وجود مشاحنات حول القدس والمسجد الأقصى أثناء فترة الدراسة بالإضافة إلي أن المنطقة شهدت أحداثا ًساخنة علي الأرض وكان لزاماً علي الفنانين معالجتها، لافتة أن أهم الأحداث التي عالجها الكاريكاتير السياسي في صحف الدراسة هي الانتخابات الفلسطينية بنسبة 23%، في المرتبة الأولى ومن ثّم الانسحاب الإسرائيلي من غزة في المرتبة الثانية بنسبة 18.5%، وارتفعت نسبة معالجة أحداث الاجتياحات والمجازر الإسرائيلية والعمليات الاستشهادية والاغتيالات في صحف الدراسة. كما أظهرت الدراسة أيضاً اهتمام الكاريكاتير بإبراز ملامح كفاح الشعب الفلسطيني من أجل الحرية وتقرير المصير وفك الحصار الغاشم بثوب من المصداقية والموضوعية وكشف عن السمات الإيجابية في الشخصية الفلسطينية التي تحب العيش في سلام وتصر على المقاومة وترنو إلى الشهادة وتتمتع بالانتماء الوطني والقومي،في حين عالج السمات السلبية في الشخصية الفلسطينية كالفوضى وعدم النظام والوساطة والمحسوبية والعمالة مع العدو والخلاف الداخلي.
@@الكاريكاتير الفلسطيني.. فن هندسة الصراع مع العدو!@@