4 – وذهب الحنابلة إلى أن الوصل بغير شعر الآدمي إما أن يكون بشعر أو بغير شعر: فإن كان بشعر: كشعر الماعز فيحرم، كما يحرم الوصل بشعر الآدمي، لعموم الأحاديث السابقة، ولما فيه من التدليس. فإذا وصلت المرأة شعرها بشعر بهيمة لا يصح الوصل،ولا تصح صلاتها إن كان الشعر نجسا لحملها النجاسة مع قدرتها على اجتنابها، وتصح إن كان طاهرا.
وإن كان الوصل بغير شعر، فإن كان لحاجة شد الشعر وربطه فلا باس به، لأن الحاجة داعية إليه ولا يمكن التحرز منه.
روى أحمد بن محمد بن حازم أن إسحاق بن منصور حدثهم أنه قال لأبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ تكره كل شيء تصله المرأة بشعرها ؟ قال: غير الشعر إذا كان قرامل قليلا بقدر ما تشد به شعرها فليس به بأس إذا لم يكن كثيرا ".
وإن كان لغير حاجة ففي ذلك روايتان:
الأولى: يكره
والثانية: يحرم فلا تصل المرأة برأسها شيئا من الشعر والقرامل ولا الصوف لحديث جابر السابق: " زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئا ".
ورجح ابن قدامة الرواية الأولى، فقال: " والظاهر أن المحرم إنما هو وصل الشعر بالشعر، لما فيه من التدليس، واستعمال الشعر المختلف في نجاسته، وغير ذلك لا يحرم لعدم هذه المعاني فيها، وحصول المصلحة من تحسين المرأة لزوجها من غير مضرة. وأما أحاديث النهي فتحمل على الكراهة ".
الرأي المختار في الوصل بغير شعر الآدمي:
لاختيار مذهب من المذاهب السابقة لابد من معرفة الراجح في المعنى الذي لأجله حرم الوصل، وهذه المعرفة إنما تكون بعرض مذاهب الفقهاء في ذلك المعنى، والأدلة التي استند إليها كل فريق فيما ذهب إليه، والنظر في هذه الأدلة لمعرفة الرأي الراجح، وهذا ما سنتكلم عنه فيما يأتي:
المعنى الذي لأجله حرم الوصل:
اختلف العلماء في المعنى الذي لأجله حرم الوصل على عدة أقوال وهي:
1 – ذهب الحنفية إلى أنه التدليس باستعمال جزء من الآدمي، فلا يجوز الانتفاع بأجزاء الآدمي لكرامته، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه المنفصلة ولا ينتفع بها
2 – وذهب المالكية والظاهرية ومحمد بن جرير الطبري إلى أنه التدليس بتغيير خلق الله: كمن يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله أو تغزره بشعر غيرها فكل ذلك تغيير للخلقة.
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا).
كما استدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث لعن الله الواشمة والمتفلجة: (المغيرات خلق الله).
3 – وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن المعنى الذي لأجله حرم الوصل هو التدليس مطلقا: سواء استعمل شعر الآدمي أو غيره وسواء كان فيه للخلقة أو لم يكن. واستدلوا لذلك بما يلي:
أ – ما روي عن معاوية بن أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور يعني الواصلة بالشعر وقال قتادة: يعني ما يكثر به النساء شعورهن من الخرق.
ب – حديث أسماء السابق: " وإني أنكحت ابنتي ثم أصابتها شكوى فتمرق رأسها وزوجها يستحثني بها، أفأصل رأسها فسب رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة ". فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الوصل ؛ لما فيه من التدليس والغش وإخفاء عيب حصل في الزوجة.
والراجح ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة من أن المعنى المناسب لتحريم الوصل هو التدليس بالعيب والغش والخداع لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه زورا، لما فيه من تدليس وغش، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغش بقوله: " من غشنا فليس منا ".
وأما ما ذهب إليه الحنفية من أن التدليس لا يكون إلا بشعر الآدمي، فغير صحيح ؛ لأن التدليس كما يقع بشعر الآدمي يقع بشعر البهيمة الصناعي وغير ذلك مما يشبه الشعر الطبيعي. وأما استدلال المالكية بالآية فغير مسلم، لأن الآية جاءت بتغيير الخلقة بالجرح والتشريح كما في تبتيك آذان الأنعام، والوشم وغير ذلك.
وأما الحديث فقد جاء في سياق النهي عن الواشمة والمتفلجة لا الواصلة. فإذا كان يصلح كعلة للنهي عن الوشم والتفليج فلا يصلح كعلة لوصل الشعر، لأن أحاديث النهي عن الوصل نصت على العلة وهي كونه زورا وغشا وخداعا. قال الخطابي: " الواصلات هن اللواتي يصلن شعور غيرهن من النساء يردن بذلك طول الشعر يوهمن أن ذلك من أصل شعورهن، فقد تكون المرأة زعراء قليلة الشعر، أو يكون شعرها أصهب، فتصل شعرها بشعر أسود فيكون ذلك زورا وكذبا فنهى عنه، أما القرامل فقد رخص فيها أهل العلم، وذلك أن الغرور لا يقع بها، لأن من نظر إليها لم يشك في أن ذلك مستعار ".
وإذا كانت علة النهي عن الوصل هي التدليس والتزوير فيكون الرأي المختار في وصل شعر المرأة بغير شعر الآدمي على النحو التالي:
1 – إذا كان الموصول بشعر المرأة يشبه الشعر الطبيعي، حتى يظن الناظر إليه أنه شعر طبيعي ؛ يحرم الوصل سواء أكان شعرا أم صوفا أم وبرا أم خيوطا صناعية أم غير ذلك، لأن علة تحريم الوصل قد تحققت فيه.
2 – أما إذا كان الموصول به لا يشبه الشعر الطبيعي بحيث يدرك الناظر إليه لأول وهلة أنه غير طبيعي، فلا يحرم الوصل سواء أكان شعرا أم صوفا أو وبرا أم قرامل، وذلك لعدم تضمنه علة التحريم: وهي التدليس.
3 – ضفر شعر المرأة بالخرق الملونة وغيرها ما هو ظاهر في أنه ليس من شعرها لا يعتبر وصلا، ولا يدخل في النهي.
ثانيا: حلق المرأة شعر رأسها:
أجمع العلماء على أنه لا حلق على المرأة في الحج،ويتعين علبها التقصير وقد كره جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة الحلق لغير ضرورة كمرض، لأنه بدعة في حقها، وفيه تغيير جمال الخلقة فيؤدي إلى المثلة وتشويه المنظر. وحرموه إذا تشبهت المرأة بالرجال. واستدلوا لذلك بما يلي:
1 – روى الإمام مسلم عن أبي موسى أنه قال: " أنا بريء مما بريء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من الصالقة والحالقة والشاقة.
فالحالقة: هي التي تحلق شعرها عند المصيبة، فقد كان النساء يحلقن رؤوسهن عند حلول المصائب تعبيرا عن الحزن، فنهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
2 – وروى الترمذي عن عائشةرضي الله عنها: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة راسها ".