لم تتردد المدخنة في إعلان سخطها على حالها، وعلقت أم زكرياء على هذا الموقف في حديثها لـ "لها أون لاين" بأنها تذكرت حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "المؤمنون الذين إذا رؤوا ذكر الله"، فالت أم زكرياء لابد وأن قيامها بالوضوء كان كافيا لتذكير المدخنة بواجب التوبة إلى الله من تعاطي التدخين، كما أن تصرفها الحكيم لابد وسيكون له الأثر البليغ على نفسية تلك المدخنة التي شعرت أن نفسيتها مهزوزة مقارنة مع نفسية أم زكرياء التي كانت تتوضأ بثقة نفس عالية لأداء الصلاة بالمسجد المحاذي للسوق الممتاز.
لم تتردد أم زكرياء في التصريح لـ "لها أونلاين" أن مشهد المرحاض تكرر لها مع سيدة أخرى إلا أن المكان مختلف، فقد كانت في عودتها من مدينة مراكش جنوب المغرب إلى الرباط مقر سكنها، وفي مكان الوضوء بمحطة القطار وجدت نفسها أيضا أمام امرأة يناهز عمرها خمسين عاما تدخن قبل أن تخرج إلى القطار، ولم تكن أم زكرياء تدري كيف سيكون رد هذه السيدة إن هي فاتحتها في موضوع تدخينها، وسبحت في التفكير دون أن تنسى الدعاء بالهداية لتلك السيدة، وكأن نسمات الدعاء غلبت دخان السيجارة، لم تصدق أم زكرياء أن المدخنة التي كانت تبدو متعجرفة أصبحت بقدرة قادر مستكينة وأبدت حسرتها على حالها ودعت الله أن يهديها بعد أن سألت أم زكرياء لأي الصلوات قامت بالوضوء.
وعلقت أم زكرياء على هذه المواقف التي تكاد تتكرر لمرات عديدة بقولها: "أولا لا ينبغي الحكم على من تدخن أن باب التوبة قد أغلق في وجهها، كما ينبغي النظر إليها نظرة شفقة، وللقدوة الحسنة دور كبير في التأثير على المدخنات، وأنا ألمس ذلك كلما أتيحت لي فرصة اللقاء بالنساء المدخنات في أماكن عمومية، ومن جهة أخرى ينبغي الفهم أن كل دخان سيجارة وراءه نار من المشاكل والهموم".
التربية سد منيع
نظرا لما للتربية من دور في وقاية الفتاة من التعاطي للتدخين نستعرض حالة طالبة فتحت أمامها أبواب كثيرة لتكون أسيرة السيجارة لكن مناعتها التربوية حالت دون ذلك.
قالت نوال (طالبة جامعية باحثة تخصص علوم البيئة) لـ "لها أونلاين": "تلقيت تربية من والدي أعتز أنها كانت سدا منيعا ضد تعاطي التدخين، ووالدي كان يدخن وأقلع عن التدخين بسبب إصابته بمرض القلب. ورغم أنني درست في الجامعة والتحقت بها في سن 18 سنة لم أكن لأفكر في التدخين نظرا للتربية التي تلقيتها في بيتنا والمبنية على الأخلاق الإسلامية من جهة، ومن جهة أخرى لأنني كنت أنتقي صديقاتي، فأغلبهن كن ولا يزلن ملتزمات بالدين الإسلامي ويرتدين الحجاب، ولم تتح لي فرصة مشاهدة المدخنات إلا في نوادي الإنترنت أو في الشارع العمومي ولم تتح لي فرصة لمحاورة إحداهن".
أما موقف نوال من المدخنات، فعبرت عنه بقولها أن مجرد رؤية امرأة تدخن تزعجها ولا ترضى لبنات جنسها الاقتراب من السيجارة لأي سبب كان، وترى أن تدخين النساء يكون بسببين أحدهما حب التظاهر وثانيهما المعاناة من ظروف قاسية، رغم أنها لم تتفق مع من يختار هذا المنحى على اعتبار أنه يحل مشكلا بمشكل أخطر منه لأن من ظنت أنها ستنسى مشاكلها يجب أن تعلم أنها فتحت الباب على مصراعيه لمشاكل صحية ستحصد من ورائها الندم حيث لا ينفع ندم.
وللحد من تعاطي النساء للتدخين ترى نوال أنه يجب تطبيق القانون الخاص بمنع التدخين في الأماكن العمومية، وتشديد العقوبات على المخالفين.
وتقول نوال غن للدولة نصيبها من المسؤولية في تدخين الفتيات والدليل على ذلك السماح لشركات التبغ بتوزيع السجائر في كل مكان. وتضيف أن للوالدين دور كبير في تحصين الأبناء من التدخين، كما أن الرفقة السيئة لها دور كبير في جر الفتيات إلى عالم السيجارة وغيرها من المخدرات والمثل المغربي يقول: "رفقة من والى تورث البلا" أي أن الرفقة دون ضوابط تورث البلاء بمختلف العادات السيئة.
شهادة حول مصائد بنات المؤسسات التعليمية
أصبح كثير من المهتمين بالشأن التربوي قلقين على ما تعرفه المؤسسات التعليمية من انتشار للتدخين بين الفتيات والفتيان على حد سواء، ومنهم من يتجاوز التدخين إلى تعاطي مخدرات أخرى، لكن ما هي أسباب هذا الانسياق وراء جحيم السيجارة.
مريم (15 سنة) عاشت تجربة إبعاد فتاة من مصيدة المخدرات بالقدوة الحسنة وحكت لـ "لها أون لاين" في اتصال هاتفي مراحل تجربتها الناجحة:
قالت مريم وهي طالبة بإعدادية ثانوية بمدينة البروج: "كثير من الفتيات بمؤسستنا التعليمية يتعاطين للتدخين، ظنا منهن ينسيهن همومهن، فالفتاة حين تدخل الثانوية تجد مجموعة من البنات والأولاد يبدأ أمرهم بالكلام العادي ثم لتبادل الطرائف، ويتطور الأمر لتحكي الفتاة مشاكلها الأسرية لزملائها وهنا مربط الفرس إذ يلعب الزملاء دور المعالج فيصفون دواء نسيان الهموم الذي لن يكون سوى مرافقة سيجارة أو غيرها من المواد المخدرة".
وأضافت مريم أن إحدى التلميذات بفعل تفكك أسرتها نتيجة مشاكل مادية فوالدها يداوم على علاج مرض الكلي وأمها لا تعمل، وصل بها الحد وي ابنة 19 سنة إلى تناول ما يسمى بـ (الكالة) وهي عبارة عن عشبة توضع تحت اللسان لتلعب دور التخدير.
وقالت مريم إن هذه الفتاة أصبحت منبوذة من قبل الفتيات، لكنها في يوم من الأيام أبدت إعجابها بالفتيات المحجبات اللواتي سامهن بالإنشاد في أسبوع ثقافي نظم بالمؤسسة، وبدأت تقترب من مريم وتسألها عن الحجاب، وتجيبها مريم أنه يصون الفتاة من الانحراف ويحافظ على أصالتها وعلى كونها جوهرة.
مجلس الشورى الأسري
عزمت مريم على الأخذ بيد زميلتها لتنقذها من التدخين وتوابعه، لكنها، وعلى عادتها لابد أن تستشير والديها، قالت مريم: "استشرت أبي لآخذ بيدها
لكن أمي اعترضت في البداية، وقالت لي أنا خائفة عليك من أن يراك الناس معها أو أن تؤثر عليك"، لكن مريم أصرت على أ، مناعتها قوية ولن تنجر وراء زميلتها، وكذلك نجحت في إقناع الفتاة بالتخلي عن فكرة الارتباط بالفتيان، كما أقنعتهاب بالتخلي عن المخدرات، وكانت تجربة صعبة بالنسبة لمريم لأن الفتاة لم تكن قوية في البداية تجاه انتقادات الصديقات والأصدقاء الذين ينعتونها بالتراجع عن شجاعتها. لكن مريم كانت ذكية واستعانت بخالتها ولم تقف عند أول خطوة بل كانت تقنع الفتاة بالحجة وتنوع في الأساليب، فمرة تسمعها الأناشيد الهادفة ومرة تقدم لها قدوة باجتهادها وبأن سببه هو استقامتها وابتعادها عن رفاق السوء.
والنتيجة فعلا، تقول مريم وهي فخورة، أنها استطاعت أن تنقذ فتاة من براثن المخدرات بسبب حرصها، مشيرة إلى أن وضعها الأسري ساعدها كثيرا فهي تعيش وسط أسرة ربتها تربية إسلامية وعلمتها سبل النجاح في الدراسة والحياة.
خطوات في طريق العلاج
لم يقف المغرب مكتوف الأيدي أمام زحف السيجارة على بناته وأولاده، بل هناك مبادرات فردية وجماعية، كان آخرها إطلاق برنامج "إعداديات وثانويات ومقاولات بدون تدخين" الذي أقدمت عليه جمعية للا سلمى لمحاربة داء السرطان بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة التدخين لسنة 2007.
وقد تم الشروع في برنامج محاربة التدخين في يونيو 2007 بجهات الرباط ـ سلا ـ زمور ـ زعير والدار البيضاء الكبرى وسوس ماسة درعة إذ تم
تحديد 5 مؤسسات تعليمية بكل جهة، ويمتد البرنامج لثلاث سنوات، وذلك بشراكة مع كل من وزارة الصحة ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر
والبحث العلمي والكونفدرالية العامة للمقاولات بالمغرب.
ويرتكز البرنامج المذكور على الوقاية المبكرة من التدخين في الوسطين المدرسي والمهني، والإقلاع عن التدخين عند تلاميذ الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي وفي المقاولات، كما يرمي البرنامج إلى مساعدة المدخنين ودعمهم من أجل الإقلاع عن التدخين وحماية غير المدخنين من مضاعفاته، كما يروم تقويم القانون الخاص بمنع التدخين في الأماكن العمومية ومنع إشهار التدخين.
وعلى المستوى التشريعي تقدم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب المغربي في دورة له في يناير 2007 بمقترح قانون يقضي بمنع بيع منتوجات التبغ أو منحها مجانا للقاصرين البالغين أقل من 18 سنة.
ويهدف الفريق الاستقلالي من مقترح القانون المذكور الحد من استهلاك التبغ لدى الشباب. وتلعب الجمعيات دورا هاما في التوعية بمخاطر التدخين والمساعدة على الإقلاع عنه دون مخاطر.
وللإطار الديني دور كبير أيضا في تجنيب النساء مخاطر التدخين، ويكفي تقديم شهادة للدكتورة سعاد رحائم عضو المجلس العلمي التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي نجحت في إبعاد سجينة ظلت وفية للسيجارة لمدة 11 عاما عن مخاطر التدخين بسبب دروس التوعية الدينية التي تلقيها للسجينات في مدينة الجديدة.
سبل إقناع النساء للإقلاع عن التدخين
ترى سناء القويطي أن السبيل لإقناع النساء والفتيات والمدخنين بشكل عام للإقلاع عن التدخين يكون بمحاربة أسبابه، فمعالجة أي شيء لا يتم إلا باكتشاف دوافعه ومن ثم
محاربتها واجتثاثها من الجذور.
وأضافت في حديثها لـ "لها أون لاين" أن نشر الوعي الديني بين النساء أمر ضروري للحد من هذه الظاهرة إضافة إلى نشر الوعي الطبي والتوعية بخطورة التدخين على الصحة وضرره الكبير على الجهاز التنفسي بل وعلى حياة الإنسان بشكل عام ، كما أن تعهد الأسرة لبناتها بالرعاية والاهتمام وإحاطتهن بالعطف والحنان وتبني أسلوب
الحوار في التعامل معهن يجعلهن أقل عرضة للتأثيرات السلبية لأصدقاء السوء ولكافة المؤثرات الخارجية. وأهم شيء هو تربية الطفل داخل بيئة نظيفة خالية من سموم دخان السجائر، فلا يعقل أن ندعو أبناءنا لتجنب التدخين ورب الأسرة يدخن؟ وينطبق علينا بذلك قول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي بمثله عار عليك إذا فعلت عظيم
ويقول حسن أبو رباب من جانبه: "لتفادي تسلل هذه العادة الخطيرة إلى الأسرة لابد من تحصينها أولا بالتربية الصالحة وترسيخ مبادئ ديننا الحنبف والحث على التحلي بأخلاقه الكريمة، وموازاة مع ذلك لابد من تزويد أسرتي بكل المعلومات العلمية التي تثبت مضار هذه الآفة الخطيرة فالتدخين يؤدي إلى الإصابة بالسرطان والتهاب الشعب الهوائية وأمراض القلب، كما يهدد جمال المرأة و يعرض بشرتها إلى الشيخوخة. ويجب أن تعلم قريباتي ونساء أسرتي عموما أن المجتمع يصنف المرأة التي تدخن من ضمن نساء "الشوارع " وبالتالي تفقد المرأة احترام الناس لها إلى الأبد" .
وسألنا أبا رباب: ماذا سيكون موقفك إذا وجدت يوما أن ابنتك تدخن فأجاب: "أما ماذا عساني فاعل إن أنا وجدت ابنتي يوما من المدخنات؟ فسألوم نفسي أولا لأنني سأكون حتما قد فرطت في واجبي كأب في التقرب من ابنتي والاطلاع على أحوالها النفسية ومتابعة مسيرة حياتها مادمت أنا المسؤول الأول عنها. ثانيا لن أقف عن هذا الحد بل سأبذل كل ما في وسعي لكي أقنعها أولا للإقلاع الفوري عن هذه العادة الخطيرة الفتاكة وبعد ذلك أحاول إصلاح ما ارتكبت من أخطاء سواء تفريطي في مساعدتها على انتقاء صديقاتها ودوافع وأسباب أخرى أتوصل إليها. وأسال الله عز وجل أن يغفر لي تقصيري في أمور أسرتي".
همسة في أذن المدخنات
إذا كنت سيدتي من المدخنات أو فكرت يوما ما في احتضان سيجارة فإن قصة الفرنسية "ماغالي" جديرة بأن تجعليها نصب عينيك لأن حجة المقام أقوى من حجة المقال أليس كذلك؟
وإليك سيدتي قصة "ماغالي" التي تبلغ من العمر 37 عاما، إنها كانت من الذين لا ينقطعون عن التدخين حتى خلال فترة حملها، وهو ما تسبب في أن تلد طفلة "ميلودي" لا يتجاوز وزنها 760 غراما وكانت الولادة قيصرية، وتسببت الأم لمولودتها بأمراض في الجهاز التنفسي بحيث لا تستطيع الحياة بدون أدوات التنفس الاصطناعي، وهي لم تبلغ بعد السنة ونصف السنة من عمرها.
وقالت "ماغالي" إن من نتائج وفائها للسيجارة أن ابنتها "ميلودي" تعاني من مشاكل في القلب وفي العظام والعمود الفقري وفي باقي أعضاء الجسم الأخرى.
لم تعد "ماغالي" تستطيع النظر إلى ابنتها التي رقدت في المستشفى عوض البيت لمدة طويلة، لا لشيء سوى لأن أمها فضلت تغذيتها بالنيكوتين.
لم تجد "ماغالي" أحسن طريقة للتكفير عن جريمتها هذه ـ ولو نسبيا ـ سوى أن تنصح الأمهات والآباء بالابتعاد عن التدخين وتوعيتهم بالكوارث والأخطار التي يجنيها على صحة الأبناء، إلى جانب صحة الآباء، حتى تنقذ مصير أبناء آخرين، وهذه همسة من أم فرنسية ننقلها إلى أذن كل امرأة تريد أن تتذوق الطعم الحلو للأمومة وليس الطعم المر الذي ذاقته "ماغالي".